هذا الكتاب من الكتب العربية التي إذا لم يقرأ أحد بعض فصوله يكون على الأقل قد سمع به. هذا كتاب أعتقد أن كل معني بالثقافة العربية من (قريب) أن يقرأه.. أقول من قريب ولم أقل : (أو من بعيد) فأولئك (البعيد) ذلك أعصى من أن يحبوه.
عندما كتب ابن خلدون مقدمته أرادها مقدمة (تعريفية) لكتابه الكبير التاريخي (كتاب العبر، وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر، ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر). أعتقد أن ابن خلدون لاحظ حجم المعرفة وكثرت ما كتب في المقدمة فواصل الكتابة في المقدمة وتعمق أكثر فيما كتب من نظرته للعمران البشري (علم الاجتماع) والتاريخ والعرب والبداوة والحضارة ليصبح لدينا هذا الكم المعرفي من مابتنا نسميه اليوم بعلم الاجتماع. فمقدمته هذه في الأساس هى مقدمة كما ذكرنا لتاريخه الكبير (العبر) فيما بعد وفي العصر الحديث عد الكثير من المصنفين أن المقدمة كتاب منفصل والآخر عدها بمثابة الجزء الأول من كتابه التاريخي الكبير.
خصص ابن خلدون مقدمته بصفة عامة لمناقشة الظواهر المورفولوجية من خلال مناقشة بنية المجتمع.
فيبدأ أول مقدمته في فضل علم التاريخ وهذا كما قلنا لغايته التأليفية وهي كتاب التاريخ. وقد وضع لنا مباحثين ومهتمين بالتاريخ أسس في منهج علم التاريخ هي قائمة ليومنا هذا، ثم تحدث عن طبيعة العمران (علم الاجتماع) وهنا حديث غاية في الأهمية عن الحضارة وأثرها في منبت البدوي والحضري والأمم الوحشية والقبائل وعن أصول المدنيات في المجتمعات وهذه الفصول من أروع فصول الكتاب.